الفصل الاول :
4 ديسمبر
مذكرتى العزيزه ..
شئ سئ جدا سيحدث اليوم .
لا اعرف لما كتبت هذا ، هذا جنون ، لا يوجد لدى اى اسباب لاكون محبطه هكذا ، كل شئ يدعو لاكون سعيده ولكن ..
ولكن ها انا الساعه الخامسه والنصف صباحا ، مستيقظه وخائفه ، ظللت اقول لنفسى انا هذا كله بسبب فرق التوقيت بين فرنسا وهنا ، ولكن هذا لا يفسر لما انا خائفه جدا ، لما اشعر بالضياع ..
اول امس ، عندما كنت الخاله جوديث ومارجيت وانا فى طريقنا عائدين من المطار ، خالجنى شعور غريب ، عندما اصبحنا فى شارعنا فجأه فكرت " امى وابى ينتظراننا فى المنزل ، اراهن على انهما سيكونان عند المدخل ، او فى غرفه المعيشه ينظرون من النافذه ، من المؤكد انهما افتقدانى كثيرا "
اعلم هذا يبدو جنونا ...
ولكن حتى عندما رايت المنزل والمدخل الفارغ ، ظللت اشعر بتلك الطريقه ، ركضت فى اتجاه المنزل وصلت للباب واخذت اطرقه ، وعندما فتحت خالتى جوديث الباب دخلت مسرعه ووقفت فى الرواق ارهف السمع متوقعه سماع وقع اقدام امى تنزل الدرج ، او ابى ينادى من الغرفة .
فقط عندما تركت خالتى جودث حقيبه الملابس تردطم بالارضية ، وتنهدت بقوه وقالت " نحن فى المنزل " ومارجيت ضحكت ، حينها شعرت بافظع شعور شعرته فى حياتى كلها ، لم اشعرابدا انى حقا ضائعه بشكل كامل .
منزل ، انا فى المنزل ، لماذا يبدو هذا وكانه شخص اخر ؟
لقد ولدت هنا فى "فولزتشيرش" ، دائما عشت فى هذا المنزل ، تلك هى غرفه نومى دائما ، وعلامه الحرق تلك فى الالواح الارضية ، انا وكارولين سببناها عندما حاولنا التدخين خلسه ونحن فى الصف الخامس وكدنا نخنق انفسنا ، استطيع النظر من النافذ لرؤية شجره السفرجل التى تسلقها مات والشباب لتخريب حفلة نوم عيد ميلادى منذ سنتين ، هذا فراشى ، وهذا مقعدى ، وهذا دولاب ملابسى ..
ولكن فى الوقت الحالى كل شئ يبدو غريبا عنى ، كما لو انى لا انتمى الى هنا ، انها انا التى من خارج المكان ، و اسوء شئ اننى اشعر اننى انتمى الى مكان اخر ، ولكنى لا استطيع ايجاده ..
كنت مرهقه جدا امس فلم اذهب الى التوجيه .
مريديث احضرت لى جدولى ، ولكنى لم اشعر انى اريد التحدث معا على الهاتف . الخاله جوديث اخبرت كل من اتصل انى اصبت باضطرابات من الرحله الجوية ، وانى نائمه ، ولكنها راقبتنى ونحن نتناول طعام العشاء بنظرات مضحكه على وجهها .
علي ان ارى مجموعه صديقاتى اليوم ، من المفترض ان نتقابل فى ساحه وقوف السيارات قبل المدرسه ، الهذا انا خائفه ؟ هل انا خائفه منهم ؟
توقفت الينا جلبرت عن الكتابه ، حدقت فى اخر سطر كتبته ، ومن ثم هزت راسها ، القلم يتدحرج فوق الدفتر الصغير ذا الغلاف الازرق المخملى ، ومعه بادره مفاجئه رفعت راسها وقذفت القلم والدفتر على حافه النافذه وارتدو من جديد دون اذى ليستقروا فوق مقعد منجد عند النافذه .
كان كله مجرد سخافه كامله .
منذ متى والينا جلبرت تخاف مقابله الناس ؟ منذ متى وهى تخاف من اى شئ ؟ وقفت وبغضب دفعت بزراعها داخل ثوب حريرى احمر واسع ، حتى انها لم تلقى نظره سريعه الى المرآه فكتورية الطراز ، لقد كانت تعرف ما ستراه ، ألينا جلبرت ، هادئه و شقراء و جذابه ، رائده الموضه ، طالبه صف التخرج فى المدرسه الثانوية ، الفتاه التى يتمناها اى شاب ، والتى تتمنى اى فتاه ان تكون ، الفتاه التى رسم العبوس على وجهها فقط الان .
فكرت " حمام ساخن وبعض القهوه وسوف اهدئ " ، طقوس الصباح من استحمام وارتداء للملابس كانت مهدئه ، وتناست افكارها وهى تصنف ملابسها الجديده من باريس ، واخيرا اختارت تى شرت وردى باهت ، و سروال قصير من الكتان الابيض ، والذى جعلها مثل مثلجات التوت ، فكرت " جيده كفايه لتؤكل " والمرأه اظهرت فتاه بابتسامه خفية ، مخاوفها الصباحية ذابت بعيدا ، اختفت .
" الينا ، اين انت ؟ ستتاخرين عن المدرسه " كان الصوت ضعيف اتى من اسفل .
مررت الينا الفرشاه مره اخرى خلال شعرها الحريرى ، ورفعته لاعلى بشريط ورديه غامقه ، ومن ثم اخذت حقيبها المدرسية ونزلت لاسفل .
فى المطبخ ، مرجريت ذات الاربعه سنوات كانت تاكل رقائق الحبوب على طاوله المطبخ ، والخاله جوديث كانت تحرق شئ ما على الموقد ، الخاله جوديث من النساء الالتى تبدون دائما غامضه ومرتبكه ، فهى تمتلك وجه لطيف ورفيع ، وشعر حريرى فاتح ممشط للخلف باهمال ، الينا نقرتها فى خدها وهى تقول " صباح الخير جميعا ، اسفه ولكنى لا امتلك وقتا للافطار "
" لكن ، الينا لا يمكنك ان تخرجى هكذا دون تناول طعامك ، انت تحتاجين البروتين ...."
" ساحضر كعكه محلاه قبل المدرسه " تكلمت الينا بنشاط ، ومن ثم قبلت قمه راس مارجريت والتفت مغادره .
"لكن ، الينا ..."
" ساعود للمنزل مع بونى غالبا او مريديث بعد المدرسه ، لذلك لا تنتظرينى على العشاء .الى اللقاء "
" الينا ...."
كانت الينا قد وصلت للباب الامامى ، اغلقته خلفها قاطعه احتجاجات الخاله جوديث ، توجهت الى المدخل الامامى ..
وتوقفت .
كل المشاعر السيئه التى اصابتها فى الصباح راوداتها من جديد ، القلق ، الخوف ، وان شيئا سيئا سيحدث بالتاكيد .
شارع مابل كان مهجورا ، البيت الفكتورى الطويل كان يبدو غريبا وصامت ، كما لو انه فارغ من الداخل ، مثل المنازل فى مواقع التصوير المهجوره ، يبدون كانهم فارغين من البشر ، ولكنهم مليئين بالغرباء الذين يراقبون الاشياء .
هذا هو ، شيئا ما يراقبها ، السماء فوقها لم تكن زرقاء ولكنها لبنيه وغير شفافه ، مثل صحن عميق مقلوب بالعكس.
الهواء كان خانق ، والينا كانت واثقه ان هناك من يراقبها .
لمحت شئ غامق فوق احد فروع شجره السفرجل القديمه امام المنزل .
لقد كان غراب ، يجلس ثابته كالاوراق المصبوغه بالصفار حوله ، وكان هذا هو الشئ الذى يراقبها.
حاولت ان تخبر نفسها ان تلك سخافه ، ولكن بطريقه ما عرفت ، انه اكبر غراب راته فى حياتها ، قوى و يلمع بالوان قوز قزح وسط ريشه الاسود ، استطاعت ان ترى كل تفاصيله بكل وضوح ، المخالب المظلمه الجشعه ، منقاره الحاد ، عيناه السوداء الامعه .
لقد كان خالى من المشاعر لدرجه انه قد يكون تمثال للطائر جالس هناك ، ولكن وهى تحدق فيه ، الينا شعرت انها تحمر ببطء ، سخونه قادمه ببطء من حلقها وخديها ، لانه قد كان .. ينظر اليها ، ينظر اليا بالطريقه التى ينظر اليها بها الشباب عندما تكون مرتديه ملابس السباحه او ملابش المشجعات ، وكانهم يجردوها من ملابسها بواسطه اعينهم .
قبل ان تدرك ما تفعله ، تركت حقيبه المدرسه والتقتت حجر من جانب المدخل " اذهب من هنا " قالتها وهى تسمع الغضب المهزوز فى صوتها " هيا ابتعد " ومع اخر كلمه القت الحجر .
حدث انفجار من اوراق الشجر ، ولكن الغراب صعد لاعلى دون ان يصاب باذى ، جناحاه كان ضخمان جدا ، فقد صنعاه ضجه كافيه لقطيع كامل من الغربان ، الينا جثت وفجأه فزعت فقد كان يرفرف مباشرة فى اتجاه راسها ، الرياح التى صنعتها اجنحته جعلت شعرها الاشقر يتطاير .
ولكنه ارتفع طائا فى دوائر ، الصوره السوداء المظلمه مقابل السماء الورقيه البيضاء ، وبنقيق عالى اتجهه الى الغابه .
الينا اعتدلت ببطء ، تلفتت حولها بدافع ذاتى ، لم تكن مصدقه لما فعلته ، لكن الان الطائر ذهب ، وسماء عادت طبيعيه من جديد ، رياح قليله جعلت اوراق الاشجار تتطاير ، اخذت الينا نفسا عميقا ، فى اخر الشارع فتح باب وخرج من اطفال عديدون يضحكون .
ابتسمت لهم واخذت نفسا اخر ، الراحه اندفعت داخلها كاشعه الشمس ، كيف كانت بتلك السخافه ؟ انه يوم جميل ، مليئ بالوعود ، ولاشئ سئ سيحدث .
لا شئ سئ سيحدث سوف انها ستتاخر عن المدرسه ، لابد ان الحشد كله ينتظرها فى ساحه وقوف السيارات .
فكرت يمكنك ان تخبرى الجميع انك توقفت لتلقى الحجر على المتلصص ، ضحكت لنفسها ، الان ستعطيهم شئ ليفكرو فيه.
من دون ان تنظر من جديد لشجره السفرجل ، سارتبسرعه قدر ما استطاعت .
اصطدم الغراب بقمه شجرة البلوط الضخمه ، غريزيا اهتزت راس ستيفان لاعلى ، وعندما راى انه مجرد طائر استرخى .
اعاد عينيه الى الشكل الابيض الضعيف بين يديه، وشعر بوجهه يلتوى فى ندم ، هو لم يقصد ان يقتله ، كان سيصطاد شئ اكبر من ارنب صغير لو كان يعلم كم هو جائع ، ولكن بالطبع كان هذا هو الشئ الذى اخافه ، الا يعرف ما مقدار قوه جوعه ، او ما الذى عليه فعله لارضائه ، لقد كان محظوظا لانه هذه المره قتل ارنبا فقط .
وقف تحت شجره البلوط العتيقه ، تسللت اشعه الشمس خلال شعره المموج ، بالجينز والتى شيرت ستيفان سلفاتور كان يبدو تماما كطالب طبيعى فى الصف الثانوى.
ولكن لم يكن كذلك .
عميقا فى الغابه ، حيث لا يمكن لاحد ان يراه ، اتى ليتغذى ، الان لعق لثته وشفتاه بجد ليتاكد انه لا بقع عليهما ، لم يرد ان يقوم باى مجازفه ، تلك الحفله التنكرية التى كان ذاهبا اليها كانت صعبه بما يكفى .
لدقيقه تسائل من جديد ، ماذا لو استسلم وترك كل هذا ، ربما عليه ان يعود من جديد الى ايطاليا، يعود الى مكان اختفاه ، ما الذى يجعله يعتقد ان بامكانه الانضمام من جديد الى العالم النهارى ؟
لكنه تعب من العيش فى الظلال ، لقد تعب من الظلام ، ومن الاشياء التى تعيش فيه ، وقبل كل شئ لقد تعب من بقاءه وحيدا .
لم يكن متاكدا لما اختار " فولزتشيرش ، فيرجينيا " انها مدينه صغيره ، بمقاييسه اقدم المبانى التى فيها وضع اساسها من قرن ونص القرن فقط ، ولكن زكريات واشباح الحرب الاهليه لاتزال تعيش هنا ، حقيقه كما هى محال البقاله ومحلات الوجبات السريعه التى انضمت اليها .
يقدر ستيفان احترام الماضى ، ولكنه فكر انه من الممكن ان اتى لحب الناس فى " فولزتشيرش " وربما - فقط ربما – قد يجد مكان بينهم.
بالطبع هو لم يقبل كليا من قبل ، ابتسامه مريره رسمت على شفتاه لتلك الفكره ، هو يعرف هذا افضل من ان يامل به ، لن يوجد مكان يمكنه ان يكون منتميا اليه كليا ، مكان يمكنه فيه ان يكون كما هو .
الا اذا اختار ان ينتمى الى الظلال ...
ابعد تلك الفكره ، لقد نبذ الظلام ، لقد ترك الظلال خلفه ، هو كا سيخفى كل تلك السنين الطويله ويبدأ من جديد ، اليوم .
لاحظ ستيفان انه لايزال يحمل الارنب ، بلطف وضعه على فراش من ورق البلوط البنى ، بعيدا جدا ، بعيدا جدا جدا عن اذن البشر لتلتقط هذا ، ميز ضوضاء ثعلب .
ففكر بحزن تقدم اخى الصائد ، فطورك ينتظر.
وبينما كان يرتدى سترته لاحظ ان الغراب الذى شتته باكرا لايزال كما هو وافق فوق شجره البلوط القديمه ، يبدو وكانه يراقبه ، كان هناك شئ خاطئ فيه .
فبدأ بارسال افكار تحقق فى اتجاهه ، لفحص الطائر ، ولكنه اوقف نفسه وهو يقول لنفسه : تذكر وعدك بالا تستخدم قدراتك الا اذا كان الامر ضروريا جدا ، لا لانه ليس هناك خيار اخر .
تحرك تقريبا فى صمت بين الاوراق الميته والاغضان الجافه ،شق طريقه باتجاه حافه الغابه ، حيث كان سيارته واقفه ، نظر للخلف مره ليجد ان الغراب ترك الاغضان وهبط للارنب .
كان هناك شئ شرير فى الطريقه التى فرد بها جناحاته حول الجسم الابيض الضعيف ، شيئ شرير ومنتصر ، ضاق حلق ستيفان ، وكاد ان يعود ليبعد الطائر ، ولكنه فكر : توقف ، ان لديك الحق فى الاكل كما فعل الثعلب .
له الحق بقدر ما فعل هو ..
اذا واجهه الطائر من جديد سيدرس عقله ، ولكنه وللان فقط قرر ان يبعد نظره عنه وان يسرع خلال الغابه ، انه لايريد ان يتاخر فى الوصول لمدرسه "روبرت ايه لي " الثانوية .